نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الاثنين، 28 نوفمبر 2011

قصص كثيرة (1) اريد ان أكون نفسى

قصص قصيرة

للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى

(1)

أريد ان أكون نفسى

زارتى اسرة صديق لى ومعهم ابنهم الصغير الذى لم يتجاوز الثمانية أعوام واستقبلتهم مرحبا بهم وفى أثناء الحديث سألت الطفل الصغير "جون" ماذا تريد ان تكون فى المستقبل؟

أجابنى جون : أريد ان أكون نفسى !

كنت اقصد ماذا يحب ان يصبح فى مستقبله فنحن يجب ان ننمى فى ابنائنا هواياتهم المفضلة ونشجعهم على التفوق والطموح والنجاح لكن أجابته اثارت فى نفسى الكثير من الأفكار. فنحن نتعثر أو نتعب ان حاولنا ان نقلد البعض او نتمثل بغيرنا . انا لن استطيع ان أحيا سعيداً وانا أعيش فى جلباب أبى أوغيره من الناس ولكن يجب ان نعرف أنفسنا ونصادقها ونتعلم الصدق وعدم الرياء مع النفس والغير.

وان كان جيداً لنا ان نتعلم من سير القديسين ونتمثل بايمانهم {اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا الى نهاية سيرتهم فتمثلوا بايمانهم} (عب 13 : 7). بل يجب ان نتعلم من رئيس إيماننا ومكمله {احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم} (مت 11 : 29). ومع تعلمنا وسيرنا فى طريق القديسين فلكل واحد وواحدة منا شخصيته الفريده التى يجب ان يحياها ويعيش فى توافق معها وينمي مواهبها ووزناتها .

فانا وانتم يجب ان نعرف أنفسنا ونحبها ونحترمها ونقبلها ونعالج ضعفاتها وننمى مواهبها ووزناتها ونكون كما يريد الله لنا اناس الله القديسين .

ان الله يدعونا باسمائنا ويشجعنا وينزع منا كل خوف وسط متاعب الحياة {والان هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يا اسرائيل لا تخف لاني فديتك دعوتك باسمك انت لي. اذا اجتزت في المياه فانا معك وفي الانهار فلا تغمرك اذا مشيت في النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك. لاني انا الرب الهك قدوس اسرائيل مخلصك} اش 1:43-3. وكما قال السيد الرب انه يدعونا باسمائنا ونتبعه {والخراف تسمع صوته فيدعو خرافه الخاصة باسماء ويخرجها. و متى اخرج خرافه الخاصة يذهب امامها و الخراف تتبعه لانها تعرف صوته}(يو 3:10-4). فهل نكون انفسنا أما يحيا البعض فى ضياع !

تكون او لا تكون ليس هذا هو السؤال ؟ بل من اريد ان أكون هذا هو تحدى الحاضر وشخصية المستقبل .

(2)

المحبة والأخلاص

فى أوج ازدهار المسيحية اراد الامبراطور ان يبنى كنيسة فخمة فى العاصمة وصرف عليها الكثير والكثير.. وقبل الافتتاح كتبوا على لوحة التدشين اسم الامبراطور بماء الذهب ولكنهم وجدوا فى ثانى يوم ان أسم الامبراطور قد ذهب!

لقد محا الملاك الاسم وكتب اسم أخر لبنت لم يعرفوها .. واعادوا الكرة من جديد وكتبوا اسم جلالة الامبراطور . ولكن الاسم قد تغير وكتب الملاك اسم نفس الفتاة ..

لقد أكتشفوا ان الأسم لفتاة صغيره فقيرة كانت تقدم للبناء كل جهدها فى اخلاص وتفانى ومحبة .. فكانت تسقي الجمال التى تحمل الاحجار والرخام فى طريقها ذهاباً واياباً.

وهكذا سمع الامبراطور قصة الفتاة ونالت الأكرام من الله والناس.

لقد مدح السيد الرب الأرملة الفقيرة التى القت بفلسين فى الخزانة { وجلس يسوع تجاه الخزانة ونظر كيف يلقي الجمع نحاسا في الخزانة كان اغنياء كثيرون يلقون كثيرا. فجاءت ارملة فقيرة والقت فلسين قيمتهما ربع. فدعا تلاميذه وقال لهم الحق اقول لكم ان هذه الارملة الفقيرة قد القت اكثر من جميع الذين القوا في الخزانة. لان الجميع من فضلتهم القوا واما هذه فمن اعوازها القت كل ما عندها كل معيشتها} مر41:12-44.

ان الله يطلب قبل الكم الذى نعمله من أجله الكيف الذى نقدم به من محبتنا ووقتنا وخدمتنا !

ويقول لنا { يا ابني اعطني قلبك و لتلاحظ عيناك طرقي }(ام 23 : 26).

والمراة الخاطئة غفر لها الرب { من اجل ذلك اقول لك قد غفرت خطاياها الكثيرة لانها احبت كثيرا والذي يغفر له قليل يحب قليلا} (لو 7 : 47). ان الله يريد منا ان نحبه من كل القلب والنفس والفكر وان نعمل معه فى الخفاء باخلاص وتفانى وهو ينظر الى القلب والدوافع .

عندما اراد الله ان ينصب ملكاً على اسرائيل قديما عوضاً عن شاول الملك المرفوض وارسل صموئيل النبى ليمسح احد ابناء يسى فى بيت لحم ملكاً نظر صموئيل لاكبر ابناء يسى وأعجب به لكن كان راى الله { فقال الرب لصموئيل لا تنظر الى منظره وطول قامته لاني قد رفضته لانه ليس كما ينظر الانسان لان الانسان ينظر الى العينين واما الرب فانه ينظر الى القلب} (1صم 16 : 7). وهكذا اختار الله داود الصغير الذى كان يرى الغنم فى البرية باخلاص وتفانى ومحبة ليكون ملكاً { وعبر يسى بنيه السبعة امام صموئيل فقال صموئيل ليسى الرب لم يختر هؤلاء. وقال صموئيل ليسى هل كملوا الغلمان فقال بقي بعد الصغير وهوذا يرعى الغنم فقال صموئيل ليسى ارسل وائت به لاننا لا نجلس حتى ياتي الى ههنا. فارسل واتى به وكان اشقر مع حلاوة العينين وحسن المنظر فقال الرب قم امسحه لان هذا هو. فاخذ صموئيل قرن الدهن ومسحه في وسط اخوته وحل روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعدا ثم قام صموئيل و ذهب الى الرامة} 1صم 10:16-13.

فلا يستهين احد منا بقدراته او أمكانياته أو باحد ممن هم حولنا بل نحترم كل إنسان مخلوق على صورة الله ونخلص فى محبتنا لله والناس والله سيعطى ويجازى كل واحد حسب عمله ومحبته { فان ابن الانسان سوف ياتي في مجد ابيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله (مت 16 : 27).

الخميس، 24 نوفمبر 2011

الاصغاء لصوت الرب

للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى

حديث المحبة بين الإنسان والله ...

لى اسرة صديقة سافر ابنهم الى أمريكا وبُعد عن أسرته واهله وتأثر الاهل كثيرا بسفر ابنهم البكر الذى كان يملأ جنبات البيت بالمحبة وحتى الضجيج والصياح والاهتمام والافراح والسعادة . انه ابنهم وفلذة كبدهم ولقد اشترت الاسرة كمبيوتر لتتواصل مع ابنها الغائب كبقية الاسر التى تعانى غياب ابنائها بعيدا ، ولكن الابن مع زحمة الاحداث أوالعمل او لظروف لا نعرفها اصبح لا يتصل باهله الا نادرا وكم تاثرت لدموع اهله وصلواتهم من اجله . لقد نقلتنى ظروف هذه الاسرة الى علاقتنا بالله الاب الصالح وحديثنا المتبادل معه { فان كنتم وانتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري ابوكم الذي في السماوات يهب خيرات للذين يسالونه }(مت 7 : 11). الله الذى شبه نفسه بالام الحنون { كانسان تعزيه امه هكذا اعزيكم انا } (اش 66 : 13).

كم يريد الله ان نتحدث اليه ونحكى معه همومنا وامالنا ، احزاننا وافراحنا؟. كم يريد ان نسكب قلوبنا ومشاعرنا وصلواتنا نحوه لا كفرض وواجب ولكن كحب غامر ؟ كابناء يتحدثوا مع ابيهم الصالح أو كبنت تفتح قلبها وتصادق أمها هكذا يناجينا الله قائلا رغم بعدنا وخطايانا. انه يريد ان نتفاهم معه ونسمعه صوتنا ويسمع اصواتنا {هلم نتحاجج يقول الرب ان كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج ان كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف} (اش 1 : 18). انه كاب يريد ان يزيح عن قلوبنا ثقل الخطية ويبيض صفحات ماضينا السوداء ويهبنا سلام المحبة والمصالحه معه { ليتك اصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر} (اش 48 : 18).

تعثرنا فى البعد عن الله ..

اننا فى البعد عن الله وعدم الحديث معه او معرفتنا لارادته نتعثر لاننا نبتعد عن مرجعيتنا الصادقة وعن يقظة الضمير وارشاد روح الله القدوس وعن مصدر السلام والسعادة فنفوسنا المخلوقة على صورة الله لن تجد راحة الا فيه { يا بني اصغ الى كلامي امل اذنك الى اقوالي} (ام 4 : 20). { يا ابني احفظ كلامي واذخر وصاياي عندك} (ام 7 : 1). لقد تعثر شعب الله قديما وعبدوا الاوثان وعاشوا لشهواتهم واعتمدوا فى الخلاص من الاعداء على التحالف مع الاشوريين أو على قوة جيش مصر بمركباته والتحالف معه فكان ذلك مصدر حزن لله الغيور على شعبه الذى يريد منا ان نثق فيه ونلتجأ اليه والذى يريد ان الكل يخلصون والى معرفة الحق يقبلون . لقد عاتب الله قديما شعبه كما يخاطبنا اليوم بالرجوع اليه والحديث معه والاتكال عليه وهو يشفى ارتدادنا ويعلن لنا محبته الابوية { ارجع يا اسرائيل الى الرب الهك لانك قد تعثرت باثمك. خذوا معكم كلاما وارجعوا الى الرب قولوا له ارفع كل اثم واقبل حسنا فنقدم عجول شفاهنا. لا يخلصنا اشور لا نركب على الخيل ولا نقول ايضا لعمل ايدينا الهتنا، انه بك يرحم اليتيم. انا اشفي ارتدادهم احبهم فضلا لان غضبي قد ارتد عنه} (هو 1:14-4). فان كانت هذه دعوة الله فى العهد القديم فكيف لنا كابناء العهد الجديد وغنى نعمة الله ان نحيا فى الاثام والله يدعونا للرجوع اليه مقدمين صلواتنا كذبائح مقدسة { فاطلب اليكم ايها الاخوة برافة الله ان تقدموا اجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية }(رو 12 : 1).

اننا نتقدم اليك يا الهنا وقلوبنا مملوة محبة وافواهنا شكرا وتسبيحا ، نعترف لك { وان تكن اثامنا تشهد علينا يا رب فاعمل لاجل اسمك لان معاصينا كثرت اليك اخطانا }(ار 14 : 7) . من اجل اسمك القدوس الذى دُعى علينا يا سيد اصفح عن ذنوبنا وخطايانا وارحمنا وخلص شعبك مباركا كنيستك جاعلا ايها تسبحةً ونوراً فى وسط الارض لكى نحبك ونعرفك ويعلن مجدك فى كل الارض { لانهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم يقول الرب لاني اصفح عن اثمهم ولا اذكر خطيتهم بعد }(ار 31 : 34). يا سيد اصفح عن اثامنا ولا تذكر خطايانا ولتدركنا رحمتك كل الايام .

ياتى ويخلصكم ...

اننا نثق فى وعود الله الصادقة والامينة { ها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر امين} (مت 28 : 20). وحتى ان كان لنا فى العالم ضيق فنحن نثق انك نعم الرفيق وانه قادر ان يقودنا فى موكب نصرته { قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام، في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم} (يو 16 : 33). فلتتشدد قلوبنا ولا نخاف بل لنطرح مخاوفنا وقلقنا سواء على حاضرنا أو مستقبل بلادنا واولادنا او حتى قلقنا على مستقبلنا الابدى لدى الاب السماوى بالصلاة والدعاء والشكر ولنتقوى فى الإيمان { قولوا لخائفي القلوب تشددوا لا تخافوا هوذا الهكم ، الانتقام ياتي جزاء الله ، هو ياتي ويخلصكم }(اش 35 : 4). ولنسبح الله القدوس العامل عبر التاريخ والاحداث من اجل خلاص ونجاة شعبه من كل ضيقة ونهتف مع الثلاثة فتية القديسين { باركوا الرب يا حننيا وعزريا وميشائيل سبحوا وارفعوه الى الدهور لانه انقذنا من الجحيم وخلصنا من يد الموت ونجانا من وسط اتون اللهيب المضطرم ومن وسط النار} (دا 3 : 88). ولندعو الرب فهو قريب ولنصلى اليه وهو كاب صالح يستجيب {انا دعوتك لانك تستجيب لي يا الله امل اذنك الي، اسمع كلامي} (مز 17 : 6). فلناتى الي الله ونرفع شكوانا اليه ونصلى له من كل القلب ونستمع الى كلامه نطيع وصاياه وهو يريحنا ويعلمنا ويهبنا حكمة وقوة ورجاء ولنسمع صوته القائل { تعالوا الي يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال وانا اريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم. لان نيري هين وحملي خفيف} (مت 28:11-30).

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

الرؤيا الواضحة

للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى

نور البصر ورؤيا الاشياء ..

لى صديق قديم اصيب بصداع دائم اتعبه كثيرا وقد تدهور نظر عينيه الى الحد الذى لم تعد النظارة الطبية تفيد معه وقد سبب ذلك له حزنا شديدا واخيرا أنعم له الرب بالشفاء بعد عملية جراحية وعاد يبصر وقد قال لى بعدها : أن من أعظم الاشياء فى العالم ، القدرة على الرؤيا بوضوح. اننى أكاد أطير فرحاً ومع المولود أعمى الذى شفاه السيد المسيح أصيح { اعلم شيئا واحدا اني كنت اعمى والان ابصر} (يو 9 : 25). ولقد هزتنى هذه الكلمات فنعمة البصر لا يشعر بها الا من فقد النظر ، لقد صحوت من نومى فى ليلة مظلمة وقد أنقطع النور وأخذت اتلمس طريقى فى الظلام لساعة وجربت كم مهم لنا ان نرى بوضوح ، وكنا قديما قد تدربنا ان نشارك اخوتنا من المكفوفين لمدة يوم بان نضع عصابة على عيوننا ونشاركهم مشاعرهم وكم كان ذلك مفيدا لنا لنحترمهم ونساعدهم ونشعر بما يشعرون .

نور البصيرة من أعظم الاشياء ...

من أعظم الاشياء ان يكون للانسان رؤيا واضحة لما يجرى حوله ومعرفة بماضية ودراية بالظروف المحيطة بحاضره ودراية بنفسة ودوافعها ثم من أعظم الاشياء ان يكون له مقدرة على تلمس وتوقع ما يحدث بمستقبله والاستعداد له وليتنا نصلى من قلوبنا لنعرف ارادة الله الصالحة الكاملة المرضية ونعملها فى حاضرنا وتكون كلمة الله سراج يهدينا فى لمستقبلنا .

يجب علينا ان نكون صادقين مع أنفسنا ومع من حولنا ومع الله ايضا ونطلب من الله كل يوم ونقول { يا رب ماذا تريد ان افعل ؟} (اع 9 : 6). والله الأمين والاب الصالح لايمكن ان يتركنا بلا أرشاد او هدى ربما نحتاج للوقت الكافى للنمو الروحى ولكن يجب ان نصبر ونصلى ونطلب من الله ان يفتح عيوننا حتى ولو بالتدريج أوبالخروج من دوامة العالم أو الانفطام عن ملذاته وشهواته {وجاء الى بيت صيدا فقدموا اليه اعمى وطلبوا اليه ان يلمسه. فاخذ بيد الاعمى واخرجه الى خارج القرية وتفل في عينيه ووضع يديه عليه وساله هل ابصر شيئا. فتطلع وقال ابصر الناس كاشجار يمشون. ثم وضع يديه ايضا على عينيه وجعله يتطلع فعاد صحيحا وابصر كل انسان جليا} مر 22:9-25. لقد أظلمت أو تحجرت كثير من العقول وصار الناس لا يرون ما هو مفيد وبناء وصحى لحياتهم وتخبطوا فى قراراتهم من ثقل اهتمامهم بالشهوات او المال او المناصب ولم تعد الروحيات الصحيحة مصدر للرؤيا السليمة.

وعلى المستوى العام ... من المهم ان يكون لنا قادة ذوى رؤيا واضحة للمستقبل سواء على المستوى السياسى او الفكرى او الدينى {بلا رؤية يجمح الشعب} (ام 29 : 18). نريد اناس لهم الحس الروحى الذى يتلمس مطالب شعبه العميقة ويحقق لهم رغباتهم ويقودهم نحو مستقبل افضل . اناس لهم صلة صادقة بالله وضمير صالح وصلة صادقة ومصداقية مع شعبهم بلا رياء او مصالح خاصة ليقودونهم نحو المستقبل الامن. حتى لو طالبونا بمذيد من العرق والصبر والكفاح للخروج من النفق المظلم فقد تمررت حياة الكثيرين من بيع الاوهام لنا من رجال بلا ضمير، الهتهم بطونهم ومجدهم فى خزيهم وشهواتهم وهمهم جمع المال بكل الوسائل واستخدام الجنس الرخيص او تلفيق القضايا للمعرضين والتشهير بذوى الضمائر .وفقد القادة مصداقيتهم لدى الكثيرين واصبحنا بلا رؤية واضحة نعانى من مستقبل تعيس مظلم .

نحتاج لقاده فكر واعلام وساسه ورجال دين يخططوا لما هو أفضل وعيونهم على مستقبل بلادنا وخير شعبنا واولادنا ، سئمنا المتاجرة بالدين ومللنا نفاق السياسيين وبحت حناجر اعلام مضلل يقودنا الى الخراب وخرج رجل الشارع الذى يبحث عن لقمة لمعدة خاوية والحرية لبلد عانى فيه الشعب مصدر السلطات الحقيقى من الظلم والفقر والجهل والمرض واراد ان ينتفض ويثور فجاء البعض ليسحب البساط من تحت اقدامه ويخدعه وها هو يبحث عن قادة على مستوى الظرف والزمان والمكان والتاريخ فهل من مجيب .وها نحن نصلى ونطلب من الله ان يستجيب من أجل خير العباد والبلاد ويهب لمصر قادة حكماء يقودوا البلاد نحو مستقبل أفضل .

مع اهداء شعب مصر العظيم كلمات من شعر ابو قاسم الشابى ...

اذا الشعب يوما اراد الحياة ... فلابدٌ أن يستجيب القدر

ولابدٌ للقيد أن ينكسر ..... ولابد لليل أن ينجلى

ومن لم يعانقه شوقُ الحياة ... تبخر فى جوها واندثر.

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

القيم الروحية (26) المسيحى والتسامح والغفران

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

حاجتنا الى التسامح والغفران ...

التسامح والغفران علاج للتعصب والكراهية .. وسط عالم يسوده الكراهية والعنف والحقد ومحاولات الايذاء أو السيطرة على الغير أو استغلالهم أو اذلالهم ، ومع ما نشاهده من انتشار الحروب والقلاقل وقتل الابرياء تحت مختلف الحجج ولما نراه من التمييز الدينى والطبقى والعرقى والجنسى فان مجتمعاتنا المعاصرة فى حاجة الى روح التسامح والمغفرة التى تنبع من حياة وتعاليم السيد المسيح الذى جال يصنع خيراً على الارض وسامح وغفر للذين اساؤا اليه وحتى الذين صلبوه والذين اخذوا يصيحون حوله مطالبين له بحكم الموت على الصليب، نجده ينظر اليهم فى شفقة طالبا من الاب السماوى لهم الغفران { فقال يسوع يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون } (لو 23 : 34).

ان دائرة العنف والكراهية لن يوقفها الفعل العنيف ورده فالنار لا تطفأ بالزيت بل بالماء هكذا العنف والكراهية تحتاج الى المحبة والاخاء الانسانى والحكمة والايجابية وروح المساواة وسيادة القانون لكى ما يعود من أعمتهم الكراهية الى رشدهم وضميرهم ويتقدم المجتمع ويسير فى طريق السلام والمصالحة من أجل هذا علمنا السيد المسيح قائلا { سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. واما انا فاقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الايمن فحول له الاخر ايضا. ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاترك له الرداء ايضا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سالك فاعطه ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده . سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم.لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا.فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} مت 38:5-48.

أن التسامح والمغفرة من الانسان يجب ان لا يكونا مدعاة للاشرار فى التمادى فى ظلمهم بل لاعادتهم الى طريق الصواب ولهذا يجب ان يكفل القانون والنظام المحلى والدولى العدالة والمساواة حتى لا نجد أنفسنا نسير وفقاً لشريعة الغاب التى يأكل فيها القوى أخيه الضعيف وتنتشر الفوضى والمظالم فى المجتمع .

التسامح والغفران ثمرة المحبة ... التسامح هو الصفح والغفران مع ترك ونسيان الاساءة للمخطئين ومغفرة زلاتهم نحونا وذلك بدافع المحبة التى تصبر وتحتمل وتبذل من أجل خلاص القريب ومن اجل ربح النفس ومن أجل سلام الانسان الداخلى فالكراهية وباء ومرض يؤثر على من يحملها ويجعله قلقا لا يجد سلاماَ لا فى علاقته بالله ولا مع الغير ويحيا فى صراع داخلى . وليس معنى ذلك ان لا نعاتب أو نتغاضى عن حقوقنا فى أحساس بالظلم أو الضعف فالقوى هو الذى يصفح ويسامح، والعفو عند المقدرة هو من شيم الاقوياء { وان اخطا اليك اخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما ان سمع منك فقد ربحت اخاك. وان لم يسمع فخذ معك ايضا واحدا او اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين او ثلاثة. وان لم يسمع منهم فقل للكنيسة وان لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار} مت 15:18-17. وليس معنى ان يكون كالوثنى او العشار ان نكرهه بل ان نصلى من اجل اصلاحه وان تحاشيا العلاقة به من اجل سلام النفس وعدم اذدياد الخلاف او الخصام .

كما يجب علينا متى أخطائنا تجاه احد ان نسارع الى مصالحته لكى ما يقبل الله صلواتنا وتقدماتنا { فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك. كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك الخصم الى القاضي ويسلمك القاضي الى الشرطي فتلقى في السجن. الحق اقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الاخير} مت 23:5-26.

التشبه بغفران الله غير المحدود ... سأل القديس بطرس السيد المسيح قائلاً هل الى سبع مرات يخطئ الىٌ اخى واسامحه فاجاب المخلص لا بل الى سبعين مرة فى سبعه مرات اى الى عدد غير محدود لان الله عالم بضعف البشر وان كان ذلك ليس فى مقدورنا لكنه مستطاع بالصلاة ومعونة الله ، ولنتذكر كم مرة فى حياتنا نخطئ الى الله ويسامحنا ويستر خطايانا ويغفرها عندما نرجع اليه ولهذا { ان كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس }(رو 12 : 18). وما ليس فى طاقتنا نصلى لله ان يجعله ممكن لدينا ويهبنا الطاقة والقوة والحكمة لصنعه { حينئذ تقدم اليه بطرس وقال يا رب كم مرة يخطئ الي اخي وانا اغفر له هل الى سبع مرات. قال له يسوع لا اقول لك الى سبع مرات بل الى سبعين مرة سبع مرات. لذلك يشبه ملكوت السماوات انسانا ملكا اراد ان يحاسب عبيده. فلما ابتدا في المحاسبة قدم اليه واحد مديون بعشرة الاف وزنة. واذ لم يكن له ما يوفي امر سيده ان يباع هو وامراته واولاده وكل ما له ويوفي الدين. فخر العبد وسجد له قائلا يا سيد تمهل علي فاوفيك الجميع. فتحنن سيد ذلك العبد واطلقه و ترك له الدين. ولما خرج ذلك العبد وجد واحدا من العبيد رفقائه كان مديونا له بمئة دينار فامسكه واخذ بعنقه قائلا اوفني ما لي عليك. فخر العبد رفيقه على قدميه وطلب اليه قائلا تمهل علي فاوفيك الجميع. فلم يرد بل مضى والقاه في سجن حتى يوفي الدين. فلما راى العبيد رفقاؤه ما كان حزنوا جدا واتوا وقصوا على سيدهم كل ما جرى. فدعاه حينئذ سيده وقال له ايها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لانك طلبت الي. افما كان ينبغي انك انت ايضا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك انا. وغضب سيده وسلمه الى المعذبين حتى يوفي كل ما كان له عليه. فهكذا ابي السماوي يفعل بكم ان لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لاخيه زلاته}مت 21:18-35

الغفران والتسامح والسلام الداخلى ... هل أنت واحد من الذين تأذَّوْا في مشاعرهم واعمالهم وحياتهم على أيدي الآخرين؟ وهل دخلتْ الكراهية إلى قلبك وعقلك وفكرك أو تنتابك مشاعر الغضب، أو الغيظ ، أو العداوة، والمرارة، والرغبة في الانتقام؟ وهل امتلأت نفسك بروح عدم المغفرة؟ إن عدم المغفرة يمكن أن يتحوَّل داخلك إلى ذئب مختفي. إنه قادر أن يجعلك سجيناً داخل نفسك. ويؤذيك فحينما تُعشِّش روح عدم المغفرة داخلنا، فهو لن تؤذي الذي أخطأ في حقك الا حين تعمل على ايذائه ؛ أما أنت فستظل ممسوكاً ومُقيَّداً بما تملَّك على أفكارك وقلبك وتصرفاتك وكلامك. إن تلك المشاعر السلبية تنخر داخل الانسان مثل سرطان سام، وإذا بنا نكتشف أننا مربوطين بالعداوة، وقد فارقنا السلام القلبي الداخلي. ولكن حالما نعزم على المغفرة تشرق نعمة المسيح الغافرة داخل قلوبنا ونشعر بالسلام . لأن الروح القدس الوديع الهادئ يهبنا المحبة الغافرة والتعزية والرجاء والصبر والقوة { ليس ذلك فقط بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا. والصبر تزكية والتزكية رجاء. والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} (رو 5 :3- 5) . ولهذا نصلى من أجل المسيئين الينا ومن اجل ان ينزع الله عنا كل مرارة وغضب وتحزب ويحل سلام الله فينا { وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وافكاركم في المسيح يسوع} (في 4 : 7).

التسامح الغفران وعدم الادانة ... اننا نحتاج الى الغفران ونطلبه من الله ولهذا يجب ان لا ندين ليكون لنا سلام مع الله والناس ولا ندان من الله ويغفر لنا خطايانا { لا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على احد فلا يقضى عليكم اغفروا يغفر لكم }(لو 6 : 37). اننا نتعلم من محبة الله الغافرة والمحررة كيف نحب ونغفر ويكون لنا العين البسيطة التى تستر ضعفات الغير لذلك يقول الرسول بطرس { ولكن قبل كل شئٍ لتكن محبَّتكم بعضكم لبعضٍ شديدةً لأن المحبَّة تستر كثرةً من الخطايا} وراينا كيف غفر الله للمرأة الخاطئة لانها تابت وقدمت مشاعر محبة صادقة كما بكت السيد المسيح سمعان الفريسى لقلة محبته وادانته للغير { وسأَلهُ واحدٌ من الفريسيين ان يأكل معهُ فدخل بيت الفريسي واتكأَ. وإذا امرأَة في المدينة كانت خاطئَة إذ علمت أنه متكَّئٌ في بيت الفريسي جاءَت بقارورة طيبٍ ووقفت عند قدميهِ من ورائهِ باكيةٍ وابتدأَت تبلُّ قدميهِ بالدموع وكانت تمسحهما بشعر رأسها وتقبّل قدميهِ وتدهنهما بالطيب. فلَمَّا رأَى الفريسي الذي دعاهُ ذلك تكلَّم في نفسهِ قائلا لو كان هذا نبيَّاً لعلم مَنْ هذه المرأة التي لمستهُ وما حالها. إنها خاطئَة. فأجاب يسوع وقال لهُ يا سمعان عندي كلمة أقولها لك. فقال قُلْ يا معلّم. كان لمداينٍ مديونان. على الواحد خمسمائَة دينارٍ وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعاً. فقُلْ. أيُّهما يكون أكثر حبَّاً لهُ. فأجاب سمعان وقال أظنُّ الذي سامحهُ بالأكثر. فقال لهُ بالصواب حكمت. ثم التفتَ إلى المرأَة وقال لسمعان أَتنظر هذه المرأَة. إني دخلت بيتك وماءً لرجليَّ لم تُعطِ. وأمَّا هي فقد غسلت رجليَّ بالدموع ومَسَحتهما بشعر رأسها. قُبلةً لم تقبّلني. وأمَّا هي فمنذ دخلت لم تكفّ عن تقبيل رجليَّ. بزيتٍ لم تدهن رأْسي. وأما هي فقد دهنت بالطيب رجليَّ. من أجل ذلك أقول لك قد غُفِرَت خطاياها الكثيرة لأنها أحبَّت كثيراً. والذي يُغفَر لهُ قليلٌ يحبُّ قليلاً. ثم قال لها مغفورة لكِ خطاياكِ… إيمانكِ قد خلَّصكِ. اذهبي بسلامٍ} لو 36:7-50 . هكذا وبخ الله الفريسى الذى ادان المرأة الخاطئة وغفر للمرأة لانها تابت وأحبت ولم تدين غيرها فمن منا يترك ميته لكى يبكى على ميت غيره . لهذا قال الأنبا يؤانس القصير مرة لقد رذلنا الحِمْل الخفيف، وهو أن ندين أنفسنا؛ واخترنا الحِمْل الثقيل الذي هو تبرير أنفسنا وإدانة الآخرين .

السيد المسيح والتسامح والغفران ....

التسامح فى حياة وتعاليم المخلص.. التسامح هو عمل ايجابى لحلول السلام وتدريب الانسان على قمع الغرائز الحيوانية والتخلص من روح العدوانية وسيطرة على النفس. للارتقاء بالسلوك الانسانى الى مستوى الكمال الالهى الذي لا يجازى عن الشر بالشر بل يترك وينسى من اجل الاصلاح .ان التسامح قوة لضبط النفس وليس ضعف لان القوى هو من ينتصر على نفسه وليس على خصمه وبهذا يربح نفسه وخصمه وينتزع من الخصم الشر والحقد ويحوله الى صديق { طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون (مت 5 : 9).

فى تعامل السيد المسيح مع الناس ضرب لنا اروع الامثلة فى التسامح معلما ايانا ان نقتفى أثره . اراد مرة ان يدخل قرية للسامريين وكان بينهم عداوة مع اليهود فرفضه أهلها {وحين تمت الايام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق الى اورشليم. وارسل امام وجهه رسلا فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يعدوا له. فلم يقبلوه لان وجهه كان متجها نحو اورشليم. فلما راى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا يا رب اتريد ان نقول ان تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل ايليا ايضا. فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من اي روح انتما.لان ابن الانسان لم يات ليهلك انفس الناس بل ليخلص فمضوا الى قرية اخرى} لو 51:9-56. لقد قاوم السيد روح الانتقام لدى تلاميذه وعلمهم انه لا يريد هلاك الناس بل خلاصهم .وعندما أساء اهل الناصرة الى السيد المسيح وارادو ايذائه وطرحه من أعلى الجبل رايناه يرد بقوله { ليس نبي بلا كرامة الا في وطنه وفي بيته} (مت 13 : 57).وتركهم فى هدوء ومضى .

وعندما جاءت جماعة الاشرار للقبض عليه لم ينتقم منهم بل حتى عندما تقدم بطرس وضرب بالسيف العبد وقطع اذنه قام السيد المسيح باعادتها سليمة مرة اخرى وامر بطرس برد السيف الى غمده قائلا { رد سيفك الى مكانه لان كل الذين ياخذون السيف بالسيف يهلكون. اتظن اني لا استطيع الان ان اطلب الى ابي فيقدم لي اكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة. فكيف تكمل الكتب انه هكذا ينبغي ان يكون. في تلك الساعة قال يسوع للجموع كانه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتاخذوني كل يوم كنت اجلس معكم اعلم في الهيكل ولم تمسكوني} مت 52:26-55.

لقد تعلم الرسل من المعلم الصالح واخذوا ينادوا بتعاليمه { ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث. وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله ايضا في المسيح} أف 31:4-32.

غفران الله ورحمته .. ان الله اله غفور رحيم { حافظ الاحسان الى الوف غافر الاثم والمعصية والخطية }(خر 34 : 7). تغنى برحمته الانبياء {من هو اله مثلك غافر الاثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه لا يحفظ الى الابد غضبه فانه يسر بالرافة} (مي 7 : 18). والانسان الخاطى الذى يتوب ويرجع الى الله يبرئه الله من دينه بالصفح عنه { اصفح عن ذنب هذا الشعب كعظمة نعمتك وكما غفرت لهذا الشعب من مصر الى ههنا} عدد19:14. (بالعبرية سالاح). وهذا الإبراء وهو فعال لدرجة أن الله لا يعود ينظر بعد إلى الخطيئة، وكأنه قد نبذها وراء ظهره (إشعيا 38: 17)، وكفر عنها وأزيلت { فطار الي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمي وقال ان هذه قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك} أش 6:6-7. وإذ يستخدم المسيح هذه المصطلحات، يؤكد أن الإبراء مجاني، فالمديون عاجز عن الوفاء. وتنصبّ الكرازة المسيحية الأولى في الوقت نفسه على الايمان بالمسيح والتوبة وغفران الخطايا { وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث.وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم. وانتم شهود لذلك} لو46:24-48 . وهكذا دعا الرسل الى الايمان كما اوصاهم السيد المسيح { لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات الى نور ومن سلطان الشيطان الى الله حتى ينالوا بالايمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين} (اع 26 : 18) . { فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس} (اع 2 : 38).وهناك مفردات أخرى، مثل طهر، غسلَ، برر، تظهر في كتابات الرسل التي تلحّ على الأوجه الإيجابية من الغفران القائمة على المصالحة مع الله . وانا كان الانسان بطبعه العتيق يخطئ {نحن شعب قساة الرقاب. لكن اغفر ذنبنا وخطيئتنا واتخذنا ملكاً لك} (خر: 6- 9). فان قلب الله ليس كقلب الإنسان، والقدوس لا يحب أن يهلك (هو 11: 8-9). إن الله أبعد من أن يشاء موت المنافق، لكنه يريد توبته (حز 18: 23)، لكى يغدق عليه غفرانه لأن {طرقه ليست كطرقنا، وأفكاره تعلو عن أفكارنا، كما تعلو السماوات عن الأرض} (إش 55: 7-9) . والله هو الآب الذي يرأف بجميع أبنائه (مز 103: 3 و8-14). ويتوسل إليه شعبه بصفته {الإله الغفور} (نح 9: 17)، وإله الرحمة (دانيال 9: 9)، المستعدّ دوماً أن يرجع عن الشر الذي هدًد به الخاطئ، اذ يرجع ويتوب (يؤ 2: 13). يونان النبى - الذي يمثّل النزعة القومية في إسرائيل- قد "كمد قلبه "، إذ رأى هذا الغفران مقدماً لجميع الناس (يون 3: 10، 4: 2). وبعكس ذلك، يشهد كتاب الحكمة بالله ويسبَحه لأنه يحب كل الذين خلقهم ويشفق على الجميع، ويتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا ويوبّخهم شيئاً فشيئاً مذكراً إياهم بما أخطأوا لكي يؤمنوا به فهو يبين هكذا أن القدير الذي يتميَز بالمغفرة . السيد المسيح والغفران ... دعا السيد المسيح الى التوبة والغفران لكل من هم في حاجة إليها { فاجاب يسوع وقال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى. لم ات لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة. } لو 31:5-32. وهو يحثنا على التوبة والرجوع { فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك} (لو19: 9- 10) بإعلانه أن الله هو أب، تقوم مسرته في الصفح عن الزلات { اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة و تسعين بارا لا يحتاجون الى توبة } (لو 15-7)، ومشيئته في أن لا يدع أحدا يهلك (متى 18: 12-14) . ولا يكتفي يسوع بإعلان هذا الغفران الذي يقبله المؤمن المتواضع بينما يرفضه الإنسان المتكبر (لو 7: 47- 50، 18: 9- 14) " بل هو يمارس منح الغفران ويستشهد بأعماله أنه يملك هذا السلطان الذى هو لله وحده (مر 2 : 5- 11 ). لقد توّج المسيح عمله بطلبه الغفران من الاب السماوى لصالبيه وبسفك دمه لغفران الخطايا (متى 26: 28). وهو يبرّر الجموع بحمله خطاياهم في جسده (1 بط2: 24 ، إش 53: 11- 12)، لأنه الحمل الذي يرفع خطايا العالم (يو 1 : 29) فبدمه نتطهَر، ونغتسل من خطايانا{ ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم} 1يو 9:1.

الصفح عن الإهانات.. منذ العهد القديم، لم تقتصر الشريعة فقط على وضع حدّ للانتقام بسنّة العين بالعين (خر 21: 23- 25)، ولكنها أيضاً تنهي عن بغض الأخ لأخيه، كما أنها تحرّم الانتقام والحقد نحو القريب (لا 19: 17- 18). ذكر الكتاب الرابطة التي تربط بين غفران الإنسان لأخيه وبين الغفران الذي يلتمسه الإنسان من الله { من انتقم يدركه الانتقام من لدن الرب ويترقب الرب خطاياه. اغفر لقريبك ظلمه لك فاذا تضرعت تمحى خطاياك. ايحقد انسان على انسان ثم يلتمس من الرب الشفاء. ام لا يرحم انسانا مثله ثم يستغفر عن خطاياه. ان امسك الحقد وهو بشر فمن يكفر خطاياه} سير1:28-5. ينبغي أن نغفر لأخينا. ويوضَح المثل الذي ضربه المسيح عن الغريم القاسي (متى 18: 23- 35) مشدداً على هذه الحقيقة { فانه ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم ايضا ابوكم السماوي. وان لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم ابوكم ايضا زلاتكم. (متى 6: 14- 15)، ولكي لا ننسى ذلك طلب منّا السيد أن نردّدها كل يوم في الصلاة الربانية، إذ ينبغي لنا أن نكون في حال تمكّننا من القول إننا نغفر. وبهذا الإقرار الذي ترتبط به طلبتنا، بكون صفحنا لأخوتنا شرطاً لطلب الغفران الإلهي (لوقا 11: 4)، ومرة أخرى، بلفظ "كما" الذي يحدد مقياس هذا الغفران (متى 6: 12). بل يذهب إلى ما هو أبعد من هذا اذ يقدم لنا مثلاً أعلى للرحمة { بل احبوا اعداءكم واحسنوا واقرضوا وانتم لا ترجون شيئا فيكون اجركم عظيما وتكونوا بني العلي فانه منعم على غير الشاكرين والاشرار.فكونوا رحماء كما ان اباكم ايضا رحيم} (لوقا 6: 35- 36) ان الذين صار الله أباً لهم عليهم أن يقتدوا به حتى يكونوا أبناءه حقاً (متى 5: 43- 45 و48). فالغفران ليس شرطاً سابقاً للحياة الجديدة فقط ، بل هو ركن من أركانها الأساسية. ولذلك يفرض يسوع على بطرس ألا يمل من الغفران، على عكس ما يفعل الخاطئ الذي يصل إلى تجاوز كلّ حد في انتقامه (مت 18: 21- 22،)، واقتداء بالرب (لو 3: 34).لقد أستشهد القديس استفانوس وهو يغفر لراجميه (أعمال 7: 60). وحتى يتمثل المسيحي بمعلمه في مقاومة الشر بالخير{ لا تنتقموا لانفسكم ايها الاحباء بل اعطوا مكانا للغضب لانه مكتوب لي النقمة انا اجازي يقول الرب. فان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على راسه. لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير} (رو 19:12- 21)، ، يجب علينا أن نغفر دائماً، ونغفر بدافع المحبة أسوة بالمسيح { محتملين بعضكم بعضا ومسامحين بعضكم بعضا ان كان لاحد على احد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا انتم ايضا} (كو 3: 13) .

صفات التسامح والغفران

من كل القلب: يقول البعض أنا مستعد أن أصفح عن كل أخطاء خصمي، ولكن بعد فترة وجيزة أو بمجرد أن يخطىء إليه أخوه يتذكَّر كل الماضي و يبدأ بشنّ حرباً جديدة عليه. ليست هذه المسامحة المقصودة. ولكن كما قال السيد الرب بأنه لا يعود يذكر خطاياهم فيما بعد { انا انا هو الماحي ذنوبك لاجل نفسي وخطاياك لا اذكرها }(اش 43 : 25) .إذاً عليك أن تطرح كل خطايا أخيك في أعماق النسيان، وتنزعها من كل قلبك، و تذكر وصية المسيح الثمينة {لأننا نحن أيضاً نغفر لكل من يخطا إلينا}(لو 11: 4).

عن كل الأخطاء.. ربما تقول انا أسامح أخي باستثناء خطية معينة لا أنساها ما حييت. اسمع قول المسيح الجميل {بل إلى سبعين مرة سبع مرات} فإن كنت لا تستطيع أن تسامح أخاك، كيف تطلب من الله أن يصفح لك عن كل آثامك وخطاياك. فلنتذكر قول الرسول بولس إلى اهل كولوسي 2: 13 مشيراً إلى عمل المسيح على الصليب {مسامحاً لكم بجميع الخطايا}.

الغفران يشمل الكل .. أننا اعتدتنا أن نسامح الذي يسيء إلينا بشرط أن يكون قريبنا أو صديقنا فقط. من لكن يجب ان لا نكون متعصبين، بل ان نتبع تعاليم السيد المسيح ونسمعه وهو يكلمنا {اغفروا يُغفر لكم} (لو 6: 37). و أيضاً {إن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يَغفر لكم} (مت 6: 15). لم يخص الإنجيل فئة معينة الناس، ولكن كل الناس على سواء ـ ولو أنهم أعداء ـ كما فعل ذلك المسيح على الصليب. ويكتب الرسول بولس إلى أهل أفسس {متسامحين كما سامحكم المسيح} فإن كان الله يحب الكل ويشرق شمسه على الأبرار و الأشرار فكيف نفرّق نحن ونسامح البعض ونترك البعض الآخر؟

علامات التسامح والغفران ..

ترك الماضي: أولى علامات التسامح هي التعاون مع من أساء إليك في إنجاز العمل، ولا يمكنك ذلك إن لم تترك ما حدث و تبدأ من جديد حتي تكون الخميرة جيدة و البذرة نقية. المحبة.. لا شك عندما تهرب البغضاء تحلّ محلها المحبة الكاملة من القلب الطاهر، و كما يقول البعض: إن أعظم محبة هي تلك التي تكون بعد التسامح. فإن كنت تشعر بالمحبة الحقيقية نحو "خصمك السابق"، فتلك علامة أكيدة للمغفرة و التسامح. فالإنسان الذي لا يحب لا يغفر للآخرين فلا يظن ذلك الإنسان إنه ينال غفراناً من الله لأن الله محبة، أما المرأة الخاطئة التى اتت الي السيد المسيح فقد عبرت عن محبة قوية لله وأحبت كثيراً فغُفرَت خطاياها الكثيرة. الصلاة.. بمجرد أن تصفح عن أخطاء الغير تجد نفسك تذكرهم في صلواتك اليومية. ولكي تحبّهم أكثر عليك أن تصلي من أجلهم ليعطيهم الرب حكمة فتُظهر أمام الله نقاوة قلبك. ويقول الرب في سفر الخروج 35 :5 إن الذي يتقدَّم بتقدمة أمام الرب يكون سموح القلب أي قلبه نقياً طاهراً دون خصام.

بركات التسامح...

حياة الفرح... عندما يسيء إليّ إنسان و أذهب إليه و أعاتبه و أصلي من أجله، أجد نفسي ممتلئاً بفرح تام لأنني أطرح ثقلاً عن كاهلي قد ألقيته على ربي فأفرح.

حياة السلام.. كلنا يعلم أن العالم يتطاحن من أجل السلام.. و لكن هيهات. لا يحلّ السلام إلا إذا صفح كل واحد عن زلة أخيه. وإني أنصحك أن تجرب هذا و لو مرة فستجد عمق السلام الذي يملأ قلبك.

راحة الضمير... هل تعلم لماذا يعيش الكثيرين حياة القلق؟ ان كان ذلك لاسباب عده فان من اهمها لأنهم لم يتعلموا التسامح مع الآخرين، ان الله الساكن في قلوبنا يخاطبنا ويطلب منا أن نسامح فلانا عن الإساءة الموجهة منه، ولكن نرفض بشدَّة فنتحمَّل عدم راحة الضمير. ولكي نعيش براحة ضمير، وننعم بالبركات الجزيلة علينا الإصغاء إلى الصوت الذي يناجي ضميرنا ويقول " اغفر لكل من يذنب إليك"، فننال الفرح والسلام وراحة الضمير. ان نعمة المسيح هي وحدها القادرة أن تُدخِل في قلوبنا روح التسامح والمغفرة، لأن المسيح حينما أخلى نفسه ووضع ذاته، استطاع أن يهبنا عطية الخلاص ويُطهِّر قلوبنا. فبنعمة المسيح هذه سننال الحرية والنصرة على مشاعر عدم المغفرة {تعالوا إليَّ يا جميع المُتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أُريحكم} مت 11: 28. أفليست الراحة هي التي نشتاق إليها، حينما تتثقَّل قلوبنا بعذاب روح عدم المغفرة؟ {إن اعترفنا بخطايانا، فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويُطهِّرنا من كل إثم} فلماذا لا نتجرَّأ وندعو المسيح ليدخل إلى ما داخل قلوبنا؟ لذلك ها هي أمامنا الدعوة أن نُلقي بكل أحمالنا عليه، ليُريحنا.

السبت، 19 نوفمبر 2011

تحرر وانطلاق

للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى

التحرر من القيود..

ان الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله يشتاق الى التحرر من قيود الشيطان والخطية ومن الاستعباد للمادة والشهوات والذات والاشياء . وان كان البعض قد ارتضى لنفسه ان يحيا فى العبودية باشكالها المختلفة الا ان ذوى الهمم والنفوس الكبيرة التى تسعى الى الكمال فانهم يسعون دوما الى التحرر من كل القيود حتى من قيد الجسد المادى ونحن نعلم ان {الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا} (يو 4 : 24). ونحن نصلى ونطلب من الله ان يحررنا من كل القيود ويجب ان نجاهد ونعمل لكى نحيا فى حرية مجد ابناء الله ..

الصياد والعابد فى الصحراء .. خرج أحد الصيادين يوماً لصيد بعض الحيوانات البرية وبعد أن توغل في الصحراء اخد يطارد غزالا برياً حتى وصل الى مغارة سمع منها صوتاً خافتاً ولما أقترب منها أدرك أنها تراتيل تنبعث من المغارة التى يعيش فيها عابد في قلب الصحراء ولما دنا منه وحياه وجده شيخاً جاثياً على ركبتيه وقد أصبح قاب قوسين من الموت .

عرض الصياد على الراهب المسن المريض أن يترك المغارة وينزل معه إلى المدينة حتى يهتم به ويعالج أمراضه رفض الشيخ شاكراً، ونظر إليه الشيخ قائلاً أنظر يا حبيبى أنه لم يبقى بينى وبين السماء والهى سوى هذا الجسد وأشار إلى جسده وقال {أن نقضى بيت ضيقنا الأرضى فلنا في السموات بناء من الله بيت مصنع بيد أبدى}(2 كو 5 : 1). استغرب الصياد فقال له الشيخ : يا ابنى الكتاب يقول { لأننا مادمنا مستوطنين في الجسد فنحن متغربون عن الرب لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان فنثق ونسرى بالأولى أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب}(2 كو 5 : 8). نحن نريد أن نتحرر من هذا العالم لننطلق إلى بيتنا الأزلى الأبدى .

سأله الصياد كيف وصلت إلى هذه الرغبة في التحرر من الجسد ؟

وهل الجسد خطيئة يا أبتى ؟

أجابه الشيخ أن الجسد نعمة من الله يا ولدى ، ألم يقدس الله الجسد حين حل بيننا متجسداً ؟ وكما يقول الكتاب {عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد} (1تي 3 : 16) الله يهتم باجسادنا ويغذيها ويقيتها انما الخطأ والخطية هو أن نستبعد لشهوات الجسد يا أبنى .. الخطأ أن نهتم كل الاهتمام بالجسد وننسى أن لنا روح تحتاج أن تحيا بالله ومع الله وفي الله.

ان نهتم بأجسادنا وصحتها هذا واجب فهى وزنه مقدسة من الله ،فالجسد أيضاً سيقوم جسداً نورانياً في اليوم الأخير ، فالله يكافئ الجسد والروح.

أما كيف نصل إلى التحرر من الجسديات ؟

فنحن باهتمامنا بالروحيات بالصلاة والصوم والقراءة والعشرة مع الله والاتحاد به أوحتى بخدمة الآخرين ومساعدتهم ، نمتلئ بمعرفة الله وتضمحل الخطيئة فينا ، لننطلق يا ولدى من العبودية للمادة والحواس إلى عالم الروح الواسع الفسيح السعيد وتسبى عقولنا بمحبة الله فنتغرب عن البشر .

وبما تنصحنى يا أبى ...

يا أبنى أنت تتغرب لتصطاد حيواناً برياً .. وأن كان ذلك شئ سمح به الله .. فأنت لك السلطان على حيوان البر وكذلك لك أن تأكله .. أما أنا يا ولدى .. فلى سلطان على حتى الحيوانات المتوحشة هنا ونحيا معاً في سلام وتعاون كما كان أدم في الفردوس .

نصيحتى اليك ... أن تذهب لتصطاد الناس إلى الملكوت وتدعوهم للمصالحة مع الله ليجعلك الله صياد للناس .

اجابه الشاب .. اريد ان تأتى معى يا أبى فتكون مرشداً لنا وقدوة لنا في الطريق .

سأدعو لك يا أبنى بالتوفيق وانا اراقب عملك من السماء،

أما أنت فوارى جسدى في هذه المغارة لانه لهذا قد ارسلك الله .

قال الشيخ هذا ثم نظر الى فوق وقال ايها الاب القدوس في يديك استودع روحى .

فاذكرنى يارب متى جئت فى ملكوت .. ولما قال هذا سمع الشاب صوتاً حنوناً يقول

اليوم تكون معى فى الفردوس .. واسلم الشيخ الروح .

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

القيم الروحية (25) المسيحى وحياة الفرح والتسبيح

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح

(25) المسيحى وحياة الفرح والتسبيح

للأب القمص أفرايم الأورشليمى

سمات الفرح الروحى ..

الفرح الروحى ثمة المسيحى... الفرح الروحى هو سمة من سمات الانسان المسيحى الذى يفرح ببنوته لله وبخلاص الله له من الشيطان ومن الخطية والشر حتى عندما نخطأ ونرجع لله بالتوبة فالتائب يثق فى وعود الله الصادقة فى قبوله للتائبين { اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة } (لو 15 : 7). نعم نحن نفرح ونُسر بالرب الذى يلبسنا ثوب الخلاص { فرحا افرح بالرب تبتهج نفسي بالهي لانه قد البسني ثياب الخلاص كساني رداء البر مثل عريس يتزين بعمامة ومثل عروس تتزين بحليها} (اش 61 : 10).هكذا نحيا فى عشرة المحبة والفرح بالمسيح { فاني اغار عليكم غيرة الله لاني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح} (2كو 11 : 2) . ونحيا فى فرح متبادل معه { لانه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك وكفرح العريس بالعروس يفرح بك الهك} (اش 62 : 5). لقد خلق الله الإنسان للسعادة والفرح ، وضعه في الفردوس وخلق من أجله كل شيء وأحاطه بكل وسائل الراحة وكان يعيش تحت العناية المباشرة لله وفي شركة عميقة معه حتى يعيش سعيداً، وقد تغير الامر بالخطية وتنفيذ حكم الموت فيه وطرده من الجنة، وجاء السيد المسيح ليرجعنا مرة اخرى الى السماء ولنتذوق مذاقة الملكوت وحياة الفرح والتسبيح منذ الان على الارض فنحيا حياة البر والسلام والفرح بالمسيح يسوع ربنا الذى قال {جئت لتكون لهم حياة وليكون لكم أفضل} (يو10:10) .

الفرح برعاية الله وصفاته .. إن التأمل فى صفات ورعاية الله الخالق والمخلّص والمفرح يولد في الإنسان فرحاً دائماً. فكيف يمكن أن نتأمل فى محبة الله دون أن نفرح { اغني للرب في حياتي ارنم لالهي ما دمت موجودا. فيلذ له نشيدي وانا افرح بالرب. (مز33:104-34). بل نتشوّق الى أن { يكون مجد الرب الى الدهر، يفرح الرب باعماله} (مز 13:104). اننا اذ نتأمل عمل الله في التاريخ، يغمرنا الفرح الروحى ويصبح الفرح بمثابة عدوى ننقلها للغير وندعوهم اليه {هلموا نرنّم للرب... نهتف لصخرة خلاصنا }(95: 1). { لتفرح السماوات وتبتهج الارض ويقولوا في الامم الرب قد ملك }(1 اخ 16 : 31) وهكذا نحيا الفرح الدائم حتى بالرغم من الضيقات والتجارب نجد التعزية ونفرح انتظاراً لاكتمال الفرح في المجئ الثانى حتى إذا ما أتى الرب يدعونا كعبيد امناء لكى ندخل في فرحه الخاص { ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم} (مت 25 : 34) ونسمع صوته ينادينا { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21).

افراح العالم والفرح الروحى .. ان أفراح أهل العالم وقتية وباطلة وترتبط بالسرور الظاهر أو بلذات الجسد ومسرات الطعام والشراب والشهوات والسلطة او المال والمناصب او حتى تحقيق اشياء متصلة بالعالم الحاضر وهذا الفرح قصير العمر، وهو يفتر بعد حين، وتطوِّح به الهموم والتجارب والهزائم وخوف الغد والأمراض والوحدة وتغيُّر الأحوال واقتراب الموت. وقد نختبر شيئاً من هذا الفرح في مناسبات كثيرة في الأعياد والحفلات واجتماعات الاحباء. ونقبله ونسعد به، ولكن لا يجب ان نعوِّل عليه، لأننا نعرف أن هذا الفرح يأتي ويذهب. وإنما فرح المسيحى الحقيقي، هو ثمرة من ثمار الروح القدس الذى وهبه لنا الروح بفداء السيد المسيح وقيامته ، وهو فرح ثابت دائم نستطيع به التغلب على محن وتجارب الحياة فى ثقة وإيمان فتجارب الحياة والآمها لا تنال من المؤمن إلاَّ كما تنال الرياح من الاشجار القوية فتذيدها قوة ورسوخ وثبات ، اننا حين نمضى فى طريقنا عابرين وادى البكاء فاننا من أجل ان تهون علينا رحلة الحياة فاننا نترنم فى قلوبنا لله { عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا ايضا ببركات يغطون مورة} (مز 84 : 6).. ودوام الفرح المسيحي عمل فوق الطبيعة البشرية، لأنه ليس نتاج عواطف، وإنما هو عمل الروح القدس ومن ثماره. إنه فرح في الرب كتب عنه حبقوق رغم صعوبة الحالة الاقتصادية ومضايقات المضطهدين لهم { فمع انه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعاما ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المذاود. فاني ابتهج بالرب وافرح باله خلاصي.الرب السيد قوتي ويجعل قدمي كالايائل ويمشيني على مرتفعاتي } حب 17:3-19.

+ احزان الحياة وفرحنا فى الرب ... قد يمر المؤمن باشياء محزنة لاسيما فى انتقال الاعزاء عليهم وان كنا نحزن للفراق لكن نحيا على رجاء ويدعونا الكتاب ان لا نحزن حزن من يهلك وليس له رجاء فى القيامة والفرح الابدى { ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لانه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله ايضا معه. } (1تس 4 : 13-14). هكذا تقدم الشهداء قديما للاستشهاد وكأنه يوم عرس حقيقى لهم.

قد نرى بعض المتشائمين ومن لا يثقون فى نعمة الله الغنية يحيون فى كأبة وحزن وشعارهم الاية القائلة { الحزن خير من الضحك لانه بكابة الوجه يصلح القلب} (جا 7 : 3) وذلك كدعوة للحزن . ويتناسوا اننا لا ندعو الى افراح العالم الزائلة او التمتع بملذاته أو استهزاء الجهال وضحكهم ومؤامراتهم بل الى الفرح الروحى فى الرب ونحيا وفقاً تبعا لدعوة الإنجيل لنا للفرح الروحى والتعزية السمائية {ولا تحزنوا لان فرح الرب هو قوتكم }(نح 8 : 10). ونحن نعلم ان لكل شئ تحت السماء وقت { للبكاء وقت وللضحك وقت للنوح وقت وللرقص وقت (جا 3 : 4} كما رقص داود النبى أمام تابوت العهد عندما اتوا به الى اورشليم وكما ارتكض يوحنا المعمدان فرحا فى بطن امه عندما اتت القديسة مريم لزيارتهم { فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلات اليصابات من الروح القدس . وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة انت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن اين لي هذا ان تاتي ام ربي الي. فهوذا حين صار صوت سلامك في اذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني. فطوبى للتي امنت ان يتم ما قيل لها من قبل الرب. (لو 1 : 41-45) وعندما نحب انفسنا محبة روحية فاننا مدعوين للفرح الروحى { احبب نفسك وفرج عن قلبك وانف الحزن عنك بعيدا }(سي 30 : 24).

ان الشى الذى يحزن المؤمن هو بعده اوخيانته لمحبة الله وعدم طاعته لوصاياة مما يفقد الانسان سلامه ويقلقه ويحزن روح الله مصدر الفرح داخله وهذا الحزن يدعونا الى التوبة والخلاص {لان الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة واما حزن العالم فينشئ موتا} (2كو 7 : 10). قد نحتاج ان نعبر عن احزاننا فى الازمات التى نمر او يمر بها اهلنا وبلادنا ونزرف الدموع التى تخلصنا من التوتر وتحمينا من الانهيار فهى تغسل النفس ولكن ليس دموع العجز او اليأس فقد بكى السيد المسيح على لعازر الميت مشاركاً مريم ومرثا ولكنه ذهب الى القبر وأقامة وبكى على أورشليم لانها لم تعرف ما هو لسلامها وأعلم تلاميذه بمصيرها وخرابها القادم والذى تم فى سنة 70 م . ومع هذا فان حزننا وبكائنا يكون ممتزجاً بالرجاء والايمان ولهذا يعطى عزاء وراحة ونحيا فرحين فى الرجاء {ومفديو الرب يرجعون وياتون الى صهيون بترنم وفرح ابدي على رؤوسهم ابتهاج وفرح يدركانهم ويهرب الحزن والتنهد} (اش 35 : 10).

ان الخطية هي مصدر التعاسة والشعور بالإثم وسيادة الظلام، كما ان التمتُّع بخلاص المسيح وحضوره ورفقته وعنايته ورعايته كل الأيام، وعمل الروح القدس، هم ينبوع الفرح المسيحي ودوامه. والرب أعلن هذا لتلاميذه قبل الصليب والقيامة قائلاً { المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح، لأنه قد وُلد إنسان في العالم. فأنتم كذلك، عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحدٌ فرحكم منكم} (يو 16: 21و22). فنحن نحيا فى فرح بالله الذى وعدنا انه سيكون معنا كل الايام وحتى إنقضاء الدهر . ان أهل العالم يعيشوا خاضعين لسطوته يمنحهم افراحه لساعة ويمنعها لسنين وتراهم يحيون فى الحزن والانين . اما المؤمن الحقيقى فلسان حاله قول القديس اغسطينوس ( جلست على قمة العالم عندما احسست انى لا اخاف شئيا ولا اشتهى شيئا). النفس التى ترتوى وتشبع بالله معه لا تريد شئيا على الارض بل يكون الله وروحه القدوس مصدر ارتوا له ويفيض منه العزاء للغير كما قال السيد المسيح { وفي اليوم الاخير العظيم من العيد وقف يسوع و نادى قائلا ان عطش احد فليقبل الي ويشرب. من امن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حي.قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه لان الروح القدس لم يكن قد اعطي بعد لان يسوع لم يكن قد مجد بعد} يو 37:7-39

الفرح في العهد القديم .. من الله تصدر أفراح الحياة الحق، ويقدّمها لشعبة نتيجة أمانته فى عهوده لنا ويجد إلشعب فرحه فى التسبيح لله (مز 33: 1) فقد تنازل الله وصار ملكاً وابا وراعيا ودعونا للفرح في حضرته (تثنية 12: 18)، ونفرح أيضاً بحلاوة التجمع الأخوي (مز 133). كما كانت الأعياد مجال للفرح في جوّ من الحماسة والبهجة ولتذكّر الشعب لعمل الله معهم {باليّوم الذي صنعه الرب لفرحه وسروره}(مز 118: 24). إن بعض هذه الاحتفالات قد تركت بصماتها في التاريخ، كفصح حزقيا (2 أخ 30: 21- 26)، وفصح العودة من السبي (عز 6: 22)، ولاسيما عيد المظال الذي فيه، بعد أن قرأ عزرا الشريعة على الشعب، دعاه الى مأدبة حافلة وأعلن: " إن هذا اليوم يوم مقدّس... لا تحزنو لإن فرح الرب هو قوتكم" (نح 8: 10). ولكي يصير هذا الفرح كاملاً، تأمر الشريعة الشعب بأن يذهب ليستقيه من الله فى هيكل قدسه ، كان الله يدعوهم للذهاب الى الهيكل فى أورشليم، في الأعياد السنوية الثلاثة الفصح والحصاد والمظال حتى ينالوا البركات الإلهية (لا 23: 40، تث16: 11 و 14- 15). من هذا المنبع يرغب الله أن تأتي وتستقي كل الأمم. إن هذا الفرح المقدّم للجميع هو نصيب المتواضعين، الذين يكوّنوا شعب الله الحقيقي (مز 149: 4-5). إنهم أسوة بإرميا يلتهمون التهاماً "الكلمة" الإلهيةّ التي هي بهجة لقلوبهم (إر 15: 16)، ويجعلون فرحهم في الله (مز 33: 21، وفي شريعته (مز 19: 9)، التي هي كنزهم (119: 14 و11، و162). إن اتحادهم الواثق بهذا السيد الذي هو خيرهم الوحيد ومنه يلمتّسوا التطلعات الى الفرح الأبدي المنتظر .

السيد المسيح ودعوته لنا للفرح الروحى..

الانجيل وبشرى الخلاص والفرح .. ان كلمة إنجيل تعنى بشرى مفرحة ، فهو بشرى الخلاص والإيمان والدخول فى أفراح الفداء والقيامة والحياة الابدية ، فمنذ ميلاد المسيح بشرت الملائكة الرعاة بفرح عظيم { وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. واذا ملاك الرب وقف بهم و مجد الرب اضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما.فقال لهم الملاك لا تخافوا فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين. المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة } لو 9:2-14. بل ان مجئ السيد المسيح الى العالم كان شهوة الاباء والانبياء وهكذا قبل ميلاد المسيح بما يقرب من الف وتسعمائة عام اشتهى ابراهيم ان يرى الكلمة المتجسد { ابوكم ابراهيم تهلل بان يرى يومي فراى و فرح }(يو 8 : 56).

السيد المسيح مصدر فرحنا الدائم .. في المسيح يسوع يكون ملكوت الله حاضراً فينا وهو العريس الذى يفرح نفوسنا وهو الذى حضر مع تلاميذه عرس قانا الجليل وأكمل فرحتهم ليقول لنا انا هو فرحكم ومشاركا لكم فى مختلف الظروف والاوقات وهو الذي صوته يغمر المعمدان فرحاً { فجاءوا الى يوحنا وقالوا له يا معلم هوذا الذي كان معك في عبر الاردن الذي انت قد شهدت له هو يعمد والجميع ياتون اليه.اجاب يوحنا وقال لا يقدر انسان ان ياخذ شيئا ان لم يكن قد اعطي من السماء.انتم انفسكم تشهدون لي اني قلت لست انا المسيح بل اني مرسل امامه. من له العروس فهو العريس واما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من اجل صوت العريس اذا فرحي هذا قد كمل. ينبغي ان ذلك يزيد واني انا انقص} (يو 3: 26-30). السيد المسيح علّمنا ان نفرح حتى ان تعرضنا للاضطهاد من اجل اسمه من اجل عظمة الاجر السمائى { طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لان اجركم عظيم في السماوات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم} مت 11:5-12. وبه ينبغى ان نفرح عندما نعلم كتلاميذ للمسيح بأن أسمائنا مكتوبة في السماء {فرجع السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رايت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء. ها انا اعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء. ولكن لا تفرحوا بهذا ان الارواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري ان اسماءكم كتبت في السماوات، وفي تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال احمدك ايها الاب رب السماء والارض لانك اخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للاطفال نعم ايها الاب لان هكذا صارت المسرة امامك}.( لو 17:10-20). إن السيد المسيح يفرح من أجل اعلان حكمته وملكوته لشعبه المتواضع كما يفرح برجوع الخطاة اليه بالتوبة ويبذل حياته في سبيل خلاصنا بفرح { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله }(عب 12 : 2). لقد دعانا ان نكون أحباء له ويريد لنا الثبات فى محبته ونثمر به ثمراً كثير لنفرح { ان ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم. بهذا يتمجد ابي ان تاتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي. كما احبني الاب كذلك احببتكم انا اثبتوا في محبتي. ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي واثبت في محبته. كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم و يكمل فرحكم.هذه هي وصيتي ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم} يو 7:15-12

ان كانت ساعات الظلمة والصلب تسببت فى الحزن للتلاميذ والمؤمنين فان القيامة مصدر فرح لا يستطيع احد ان ينزعه منا { فانتم كذلك عندكم الان حزن ولكني ساراكم ايضا فتفرح قلوبكم و لا ينزع احد فرحكم منكم} (يو 16 : 22) وهكذا فرح التلاميذ بالقيامة وظهور السيد لهم { ولما قال هذا اراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ اذ راوا الرب} (يو 20 : 20).ان الله يريد ان نقدم اليه طلباتنا ليهبنا سؤل قلوبنا حسب ارادته الصالحة ليكون فرحنا كاملا (يو24:16) .

اسباب الفرح الروحي...

الفرح هو ثمرة من ثمار الروح القدس .. وهو علامة مميزة لابناء ملكوت الله فالأمر لا يتعلّق بفرح عابر تحرمنا منه الضيقة { وهؤلاء كذلك هم الذين زرعوا على الاماكن المحجرة الذين حينما يسمعون الكلمة يقبلونها للوقت بفرح.ولكن ليس لهم اصل في ذواتهم بل هم الى حين فبعد ذلك اذا حدث ضيق او اضطهاد من اجل الكلمة فللوقت يعثرون} مر16:4-17 . بل هو فرح وتعزية الروح القدس الساكن بنعمته فينا بثمارها الروحية من فرح ومحبة وسلام وايمان { فاذ قد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح. الذي به ايضا قد صار لنا الدخول بالايمان الى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله. وليس ذلك فقط بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا. والصبر تزكية والتزكية رجاء. والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} رو 1:5-5 . يفرح المؤمنين لمحبة الله لهم ومحبتهم له ولبعضهم البعض وبسخائهم في العطاء ، فمغبوط هو العطاء أكثر من الاخذ ونفرح باتحادنا فى المحبة { فان كان وعظ ما في المسيح ان كانت تسلية ما للمحبة ان كانت شركة ما في الروح ان كانت احشاء ورافة. فتمموا فرحي حتى تفتكروا فكرا واحدا ولكم محبة واحدة بنفس واحدة مفتكرين شيئا واحدا} (فيلبي 1:2- 2)، وبأمانتنا على الحق { فرحت جدا لاني وجدت من اولادك بعضا سالكين في الحق كما اخذنا وصية من الاب} (2 يو: 3، 4) والمحبة تمدنا بفرح ثابت، يتغذى بالصلاة والشكر المتواصلين (1 تس 5: 16). فنشكر الآب بفرح فهو الذي نقلنا من عالم الظلمة الى ملكوت ابنه الحبيب فى النور. والصلاة المتواصلة هي منبع فرح، لأن الرجاء يحركها، وإله الرجاء يستجيب لها، غامراً المؤمن بالفرح { فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة} (رو12: 12). هكذا تتنوع مصادر الفرح المسيحى فنفرح بالرب كما يقول الرسول بولس { افرحوا في الرب كل حين وأقول ايضا افرحوا } فى 4:4. فحينما يكون الإنسان ملتصقاً بالله قريباً منه وله شركة قوية معه ، يكون سعيداً ويفرح فرحاً لا ينطق به ومجيد . ونفرح بالخلاص الثمين ، نفرح كما يفرح المريض بشفائه والمأسور بإطلاقه والسجين بخروجه للحرية ، يقول المرنم {امنحني بهجة خلاصك} كما سبحت القديسة مريم العذراء {تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي}(لو26:1) . ونفرح بعطايا الرب الثمينة فيفرح الإنسان عندما ينعم عليه الله بصحة جيدة او حتى بالمرض كتنقية وهبة من الرب. نفرح بالكنيسة بيت الله وباب السماء وبالأسرار المقدسة ووسائط النعمة التي تقوده للخلاص . ونفرح بالعبادة التي نقدمها لله ونحن نعيش الشركة مع الله والقرب منه، يقول المرنم {أغني للرب في حياتي أرنم لالهي مادمت موجودا فيلذ له نشيدي وأنا أفرح بالرب} .

الاشتراك في الفرح الأبدي.. أن التجربة سيكون لها نهاية، وسينتقم الله لدم عبيده، بادانة الشيطان واعوانه . حينئذ سيكون فرح في السماء { افرحي لها ايتها السماء والرسل القديسون والانبياء لان الرب قد دانها دينونتكم} (رؤ18: 20)، حيث سيحتفل بعرس الحمل. والذين سيكون لهم نصيب في ذلك، سيمجدون الله في فرح { وخرج من العرش صوت قائلا سبحوا لالهنا يا جميع عبيده الخائفيه الصغار والكبار. وسمعت كصوت جمع كثير و كصوت مياه كثيرة و كصوت رعود شديدة قائلة هللويا فانه قد ملك الرب الاله القادر على كل شيء. لنفرح ونتهلل ونعطيه المجد لان عرس الخروف قد جاء وامراته هيات نفسها. واعطيت ان تلبس بزا نقيا بهيا لان البز هو تبررات القديسين. وقال لي اكتب طوبى للمدعوين الى عشاء عرس الخروف وقال هذه هي اقوال الله الصادقة} رؤ5:19-9.

فى السماء ستكتمل فرحة المؤمنين الذين جاهدوا وانتصروا على الشيطان والخطية وتتجلّي فرحتهم بحياة التسبيح الدائم لله وهو منذ الآن نصيب أبناء القيامة ومجال شكرهم { مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الاموات. لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السماوات لاجلكم . انتم الذين بقوة الله محروسون بايمان لخلاص مستعد ان يعلن في الزمان الاخير. الذي به تبتهجون مع انكم الان ان كان يجب تحزنون يسيرا بتجارب متنوعة. لكي تكون تزكية ايمانكم و هي اثمن من الذهب الفاني مع انه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح. ذلك وان لم تروه تحبونه ذلك وان كنتم لا ترونه الان لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد. نائلين غاية ايمانكم خلاص النفوس. الخلاص الذي فتش وبحث عنه انبياء الذين تنباوا عن النعمة التي لاجلكم} 1بط 3:1-10.

التسبيح تعبير عن فرحنا بالرب .. أن الحمد والشكر والتسبيح تعبير عن الشعور بالشكر على النعم التي يغدقها الله على الإنسان عرفاناً منه بالجميل والاعتراف بعظمته ومحبته لله ونحن عندما نتقدم فى الروح نقدم التسبيح لله لا من اجل عطاياه بل كانجذاب وتسبيح لذاته وعظمته وابوته ، هكذا نرى الكلمات تخرج من قلب متهلل بالروح فى التسبحة اليومية فى الكنيسة القبطية وكأننا صرنا مع جوقات الملائكة نسبح تسبحة الشاروبيم والسيرافيم قائلين{ قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الارض} اش 3:6. ونتغنى بطيبة الهنا وعدالته مز 6:145،7 وبعمله معنا عبر التاريخ لخلاصنا من الشيطان ونجتنا من بحر هذا العالم كما عبر بالشعب قديما البحر الاحمر ونسبحه مع داود النبى ومع الفتية لنجاتهم من اتون النار بحضوره معهم وبينهم ، ولسان حالنا قول داود النبى جزنا فى الماء والنار واخرجتنا الى الراحة . ان حمدنا وتسبيحنا لله إنما يعنى تعظيمنا إياه (لو1: 46، أع 10: 46)، والإعتراف بسموه الذي لا يدانى منه ، ما دام هو الساكن في أعلى السموات والناظر الى المتواضعين ، وما دام هو القدوس. وينطلق الحمد من الشعور بقدسية الله، الذي يملأ النفس بهجة (مز 30: 5)، وهذا الإبتهاج والتسبيح يحملنا على الاتحاد العميق بالله. وينطلق الحمد من الاتصال بالله الحي، فيوقظ الإنسان كله (مز 57: 8، 108: 2- 6) ويقوده نحو تجديد حياته فهو بمثابة بعث لحياة جديدة وينقلنا من الموت الى الحياة الحقيقية .

ان التسبيح هو شركة فى عمل الملائكة فى السماء { باركوا الرب يا ملائكة الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور} (دا 3 : 58). والتسبيح مجال عملنا فى السماء ونقوم به منذ الان عرفانا وشكرا لقائد نصرتنا ومخلص نفوسنا ومنقذ حياتنا من الفساد { وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق انت ان تاخذ السفر وتفتح ختومه لانك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وامة. وجعلتنا لالهنا ملوكا وكهنة فسنملك على الارض. ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات والوف الوف. قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح ان ياخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة. وكل خليقة مما في السماء وعلى الارض وتحت الارض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان الى ابد الابدين} رؤ 9:5-13. حياة الرسل كنموذج للفرح والتسبيح ... بعد احداث الصلب كان التلاميذ مجتمعون معاً، خوفاً من اليهود فى ذعر ورعب والأبواب مغلقة، وفى جـو من الحزن والكآبة، وعـدم الطمأنينة، وذلك بعد أحداث الجمعة الحزينة؛ ولكن عندما ظهر الربلهم منحهم سلامه. {ففرح التلاميذ عندما أبصروا الرب} فتحول حزنهم الى فرح وشكهم الى ثقة، وخوفهم الى طمأنينة وسلام، ويأسهم الى رجاء. لأن الرب القائم حاضر فى وسطهم. وهذا ما حدث مع توما الرسول عندما رأى شخص الرب ولمس حضوره بطريقة شخصية فاحدث تغيير فى حياتة من الشك للأيمان فقد صرخ قائلا "ربى وإلهـى" ان حضور الرب الدائم يعطى فرح وسلام ورجاء ويبدد الشك. الرب الاله حاضراً فى كنيسته كما كان فى الماضى فهو أمس واليوم والى الأبد، من خلال لاهوته وروحه القدوس وكلمته واسراره . ولكن لماذا يعيش بعض المؤمنين حياة الحزن أو القلق والانقسام والتشتت، حتى أن هذا الداء أصاب بعض خدام المسيح وكأنهم اجراء او موظفين مجبرين على القيام بعملهم وليسوا خدام للرب الاله المحب يعيشون بدون فرح فى حياتهم . ربما ان ذلك ناتج عن قلة او ضعف الإيمان او النظر الى الظروف المحيطة بنا وصعوبتها دون التطلع الى السماء ومعونتها . وربما يتأتى الحزن من الانانية التى يحيا فيها الانسان وعدم القناعة والرضا بما لدينا فالقناعة كنز ومصدر للسعادة كما ان الطمع مصدراً للتذمر والضيق. ربما ياتى الحزن كنتيجة للانقسام وعدم السلام داخل الانسان او فى علاقته مع الله او الاخرين وهذا يدعونا الى التوبة والمصالحة والصدق مع الله والنفس . وربما يحيا البعض التدين المرضى باخطاء الانسان العتيق ويزعمون انهم يعرفوا الله . أن السلام هو عطية الله لنا ولا يعرفه الأشرار ولا يستطيع العالم أن يعطيه {سلاماً أترك لكم، سلامي أُعطيكم. ليس كما يُعطي العالم أُعطيكم أنا}(يو 14: 27).

القديس بطرس يحثَّ المؤمنين على الفرح الحقيقي في الروح حتى ولو كانوا يجتازون التجارب { ذلك وإن كنتم لا ترونه (أي الرب) الآن لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد} (1بط 1: 8). كما ان القديس يعقوب يدعونا للفرح حتى فى التجارب {احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة} (يع 1: 2).اما القديس بولس الرسول الذى تعرض لكل اشكال الآلام والاضطهاد وسوء التقدير بالاضافة الى شوكة المرض نرى الفرح الروحى لا يفارقه فى حياته وكتاباته حتى فى السجن { فوضعوا عليهما ضربات كثيرة والقوهما في السجن واوصوا حافظ السجن ان يحرسهما بضبط. وهو اذ اخذ وصية مثل هذه القاهما في السجن الداخلي وضبط ارجلهما في المقطرة. ونحو نصف الليل كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما. فحدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت اساسات السجن فانفتحت في الحال الابواب كلها وانفكت قيود الجميع} أع 23:16-26. ان فرح القديس بولس الرسول لا يعتمد على الظروف بل على تعزية الروح القدس والايمان الواثق المشارك فى الآم السيد المسيح وهو يُصارع الآلام والاضطهادات {كحزانى ونحن دائماً فرحون} (2كو 6: 10). {لذلك أُسَرُّ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح} (2كو 12: 10). {الآن أفرح في آلامي لأجلكم،وأُكمِّل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده، الذي هو الكنيسة} (كو 1: 24).

ان تطلع المؤمن الى الابدية يجعله يستهين بكل الآم الزمان الحاضر { فاني احسب ان الام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد ان يستعلن فينا... ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده. لان الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرا بين اخوة كثيرين. والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم ايضا والذين دعاهم فهؤلاء بررهم ايضا والذين بررهم فهؤلاء مجدهم ايضا} رو 18:8، 28-30. ولنعلم ان دموعنا فى التجارب كمتنفس أو شكوانا لله هى رائحة بخور ذكية محفوظة وغير منسية لديه وان كنا نتالم معه فلكى نتمجد معه ايضا وهذا هو سند المجاهدين العابرين وادى البكاء يصيرونه ينبوعا للعزاء بالايمان والصبر والرجاء .

انت فردوس نفسى

الهى وربى اقدم لك تسبيحى وشكرى .. فلك يليق المجد والتسبيح لان رحمتك دائمة الى الابد .

لتهتف للرب كل الارض ولنعبدك بالفرح والترنم وندخل ديارك بالتسبيح من جيل الى جيل .

الرب الهنا قدوس وبار والهنا يرحم ومراحمة جديدة كل صباح ، وهو يوقظ قلوبنا للتسبيح بفرح لخلاصة العجيب. ورعايته لنا كل الأيام حتى لو سمح بالضيقات والتجارب فهى تعمل للخير وان سرنا فى وادى ظل الموت فلن نخاف شئيا فالهنا معنا على الدوام .

ايها الرب ربنا قد صار اسمك عجيبا فى الارض كلها ، من افواه الاطفال هيات تسبيحا .

انت فردوس نفسى ونبع متجدد لسعادتى وكنز محبتى فلك نعطى المجد والاكرام .

وسط الضيقات انت العزاء وفى الحروب انت النصرة، وانت الذى تعصب الجروح بنعمتك .

نحن نثق فى قيادتك لنفوسنا وكنيستنا وبلادنا ومنك نستمد السلام وسط عالم يموج بالقلق والصراعات.

اليك نلقى بهمومنا ومشكلاتنا واثقين من عملك وقدرتك فى تحويل الحزن الى فرح والصليب الى قيامة ومجد ، واذ ننتظر عملك وسط الايام والسنين نرنم واثقين ان لنا فيك الفرح واليقين باننا بك يعظم أنتصارنا ونرنم لك على الدوام فرحين .